الإمام الأكبر: هل يعقل أن يحل الله تعالي للمسلم الزواج بمسيحية ثم يحرم عليه تهنئتها بعيدها
ألقى الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، اليوم الجمعة، المحاضرة السنوية للمجلس الإسلامى فى سنغافورة، والتى جاءت تحت عنوان ” دور الأديان فى توحيد الأوطان”، وذلك فى إطار زيارة فضيلته الحالية إلى جمهورية سنغافورة، وضمن احتفال المجلس الإسلامى السنغافورى بمرور 50 عاما على تأسيسه.
وفيما يلى نص المحاضرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله والصَّلاةُ والسَّلام على سيِّدنا رسولِ الله وعلى آله وصحبه.
الجمعُ الكريمُ!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد؛
فيطيبُ لى أن أبدأ حديثى إليكُم بتقديم خالصِ الشُّكرِ والتَّقديرِ لدولةِ سنغافورة رئيسةً وحكومةً وشعبًا على الدعوة الكريمة، وعلى حُسن الاستقبالِ وكَرَم الضِّيافةِ والحفاوةِ بى وبوَفدِ الأزهرِ المرافِقِ.
وأوَدُّ أن أوضح فى بداية محاضرتى أيضًا أن زيارتى لسنغافورة ليس المقصودُ بها زيارة المسلمين فقط؛ بل هى زيارةٌ لشعبِ سنغافورة “مسلمين وغير مسلمين”، من أجلِ تدعيمِ وَحدَتِهم العظيمة، وعَيشِهم المشتَرَكِ، وتقديمهم نموذَجًا رائعًا للأخوَّة فى الوَطَن وفى الإنسانيَّةِ، والعملِ يدًا واحدةً من أجلِ مُجتمَعٍ راقٍ مُتقدِّمٍ وقوى.
جئتُ لأحيِّى هذا النّموذَج الذى ضرَب أحسنَ الأمثلةِ فى تحقيقِ السَّلامِ المجتمعى بين أفرادِ الشَّعب، وبينه وبين الشُّعوبِ المجاوِرَة، وأسألُ الله تعالى أن يُديم على هذا البلد أَمنَها وسلامتَها، وأن يَمُنَّ على البلادِ أجمع نِعمةَ الأمن والسَّلام.
أيها الحفل الكريم!
الحديثُ عن قتلِ النَّاس باسمِ الأديانِ، والذى عُرِف مؤخَّرًا بظاهرة الإرهابِ، حديثٌ طويلٌ مُحزِنٌ، ولا تتَّسِعُ لبيانِه محاضَرةٌ ولا محاضراتٍ، وأعتقدُ أننى لو استطعتُ أن أوضح براءَ الدِّينِ، أى دينٍ من هذه الجرائم المنكَرَة التى تُرتَكَبُ باسمِه وتحت لا فِتَتِه – فإنِّى أكون قد وُفِّقْتُ فى تحقيق الهدفِ من هذه الزِّيارة.
وما أقولُه هنا عن الدِّين الذى أعتنِقُه، يَنطبِقُ فى معناه على الأديان الإلهيَّة الأخرى السَّابقةِ على الإسلامِ، وهى أديان وأومِنُ بها وبأنبيائها ورُسُلِها وكُتُبِها السَّماويَّة المُنزَلَةِ، إيمانا مساويا لإيمانى بدينى..
وسوفَ أُلخِّصُ محاضرتى فيما يُشبِهُ نقاطًا أو فقراتٍ ينبَنِى بعضُها على بعضٍ، مؤيَّدة بشواهدَ من القرآن الكريم فى آيات واضحةِ المعنى وضوحَ الشَّمس فى رابعةِ النَّهار.
وأوَّلُ حقيقةٍ قرآنيَّةٍ تُطالعُنا فى هذا الموضوع هو بيان موقِعِ الإسلام من الأديانِ السَّابقةِ عليه، وأقربُها زمنًا منه: المسيحيَّةُ ومِن قَبلها اليهوديَّة.. وفى هذا الموقف تُقرِّرُ آياتُ القرآن الكريمِ أنه لا توجد – فى منطق القرآن الكريم – أديانٌ مختلفةٌ، ولكن توجد رسالاتٌ إلهيَّةٌ، تُعبِّرُ عن دِينٍ إلهى واحدٍ، كان الإسلامُ هو الحلقةُ الأخيرةُ فيه، وممَّا يجب التَّنَبُّه له هنا أن كلمةَ “الإسلام” التى ورَدَت فى القرآنِ خمس مرَّاتٍ فقط، وكذلك كلمة “مسلمين” لا يُقصَدُ بها – غالبا – الرِّسالةَ التى نزَلَت على نبى الإسلامِ تحديدًا، وإنَّما يُقصَدُ بها الدِّين الإلهى الذى اختارَه الله لهدايةِ الإنسانيَّةِ كلِّها منذُ بدءِ الخليقةِ وإلى انتهاءِ الزَّمان والمكان..
ومن هنا أطلقَ القرآنُ لفظَ “مسلم” على نُوح، وعلى إبراهيم، وعلى يعقوب وأبنائه، وعلى موسى وعيسى ومحمد عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
وحين يقرر الإسلام ذلك؛ فليس أمامنا فى فهم معنى هذه الآيات إلا فهمٌ واحدٌ، هو: أن الإسلام فى القرآن يطلق على دين واحد مشترك بين الأنبياء جميعا، وأن الحلقة الأخيرة من هذا الدين هى رسالة الإسلام التى نزلت على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين(). بل أن شريعة الإسلام هى – فى أكثر مناحيها – متطابقة مع الشرائع السابقة().
ولا شك أن ها هنا وَحدَةً عُضويَّةً بين الرِّسالاتِ الإلهيَّةِ السَّابقةِ ورسالةِ الإسلامِ الأخيرةِ.
ثم هناك وِحدَةٌ عضويَّةٌ أخرى تربط نبى الإسلام بإخوته السابقين عليه من الأنبياء والمرسلين()، وهى علاقة الأخوة التى عَبَّرَ عنها نبى الإسلام صلى الله عليه وسلم بقوله: “أنا أولى الناس بعيسى بن مريم، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد”. والإخوة لعَلَّات هم: الإخوة من أب واحد وأمهات شتى، والأب الواحد فى هذه الصورة الجميلة هو هذا الدين الإلهى الواحد الذى ينتسبون إليه جميعا بِنَسَبٍ واحد لا اختلاف فيه، والأمهات التى تُفرِّقُهم هى الأزمنة والأمكنة.
والشيء نفسه يقال على صلة القرآن بالكتب الإلهية السابقة، بحيث نقرأ فى القرآن ما يدلنا على أن الإنجيل مصدق للتوراة ومؤيد لها، وأن القرآن مصدق ومؤيد للإنجيل والتوراة.
النقطة الثانية:
ما هى علاقة المسلمين بغير المسلمين؟ هل هى علاقة إخوة إنسانية، أو عداوة متبادلة؟
لو بحثنا عن الإجابة لهذا السؤال من نصوص القرآن الكريم فسوف نجد الإجابة فى هذا الكتاب المنزل تنبنى على أصول ثلاثة، أو حقائق ثلاث تشكل جوهر نظرية الإسلام فى القرآن الكريم.
الحقيقة الأولى: هى ما يمكن أن نسميها “حقيقة الاختلاف الكونى”، وتعنى باختصار شديد: أن الله تعالى لو أراد أن خَلْق الناس على دين واحد، وعرق واحد، ولغة واحدة، لفعل ولتحقَّقَت إرادته ومشيئته، لكنه لم يشأ ذلك، وشاء عَكسَه وهو خَلق الناس مختلفين فى الأديان والأعراق واللغات: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} [هود: 118-119] ويتبع اختلاف الناس فى العقيدة والعرق واللغة اختلافهم بالضرورة فى العقول والتصورات والأحاسيس والمشاعر..
وخلاصة هذا الأصل: أن القرآن يقرر اختلاف الناس فى الاعتقادات وفى الأفكار والمشاعر والسلوك، وأن هذا الاختلاف سنة إلهية، وأنه باق فيهم إلى يوم القيامة..
الحقيقة الثانية التى تترتب منطقيا على الحقيقة الأولى: هى حقيقة حرية الاعتقاد التى كفلها القرآن للإنسان أيا كان نوع هذه العقيدة، وأيا كان قُربها أو بعدها من الدين الإلهى الصحيح؛ فحُريَّةُ الاعتقاد هى الوجه الآخر لحقيقة الاختلاف، ولا يُعقل فى الحكمة الإلهية أن يُخبرنا الله بأنه خلق عباده مختلفين ثم يطلب منا أن نحشرهم على دين واحد، ونصادر عليهم حرياتهم فى الاعتقاد فى أديان أخرى، فهذا عبث لا يليق بحكمة الله تعالى، أضف إلى ذلك أن هذا التعارض بين إقرار الاختلاف فى موضع ومصادرته فى موضعٍ آخر يؤدِّى إلى القول بتناقض القرآن الكريم وهو مما لا يتصوره العقل فى جناب الحكمة والعدالة الإلهية.. والقرآن مملوء بالآيات التى تقرر حرية الاعتقاد..، فى مقدمتها، {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، {لا إكراه فى الدين}، {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا
الحقيقة الثانية هي: ما يُسمَّى بحقيقة التعارف والتكامل، وتعنى أن العلاقة بين المختَلِفينَ الذين يملكون حرياتهم لا يصح أن تكون علاقة صراع ومغالبة؛ لأن علاقة الصِّراع إنما تعنى القضاء على الآخر المختلف، ولا تنتهى هذه العلاقة إلَّا بإبادة أحد الطرفين المتصارعين، وفرض الرؤية الواحدة أو الثقافة الواحدة التى يُختلف عليها.. وهنا يقرر القرآن الكريم أن علاقة الناس فى إطار حق الاختلاف ومشروعيته – هى علاقة التعارف وهي: علاقة السلم والتعاون والتكامل.
وإذن فمن الجهل الفاضح بالإسلام والقرآن أن يُقال أن علاقة المسلم بغير المسلم أو بالكافر هى علاقة الدم، أو يُقال: أن الإسلام دين سيف وذبح ومطاردة الآخرين وإكراه الناس على الإسلام وإلَّا طارت رقابهم، وقد تعلَّمنا فى الأزهر الشريف فى أبواب الفقه أن عِلَّةَ القِتال فى الإسلام ليست هى الكفر وإنما هى العدوان على المسلمين، ومن قال من غير ذلك من العلماء مردود عليه من كبار الأئمة المحققين، الذين نقضوا هذا الرأى المخالف، بأدلة من المعقول والمنقول، وقالوا: أن الحالة الوحيدة التى يجب على المسلم أن يحمل فيها سلاحه ويُقاتل غيره هى حالة اعتداء الغير على المسلمين، سواء كان الاعتداء على العقيدة أو الأرض أو المال أو العِرض، فهاهنا يجب الدفاع عن هذه الحرمات، وهذا ما تفرضه كل شرائع الحق والعدل، ولأن الحرب فى الإسلام استثناء واضطرار فقد نهى الله المسلمين –إذا كُتِب عليهم القتال- أن يجاوزوا الحق فى الدفاع عن أنفسهم، وسمَّى هذا التجاوز بالاعتداء فقال فى القرآن الكريم: ﴿وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ أن اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]، فالقتالُ فى سبيل الله له ضوابط وقيم لو تجاوزها المسلم فى دفاعه كان معتديًا، والله يكره المعتدين ويمقتهم.. والمتأمِّلُ فى أوَّل آيةٍ تأذن للمسلمين فى قتال أعدائهم هى قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ أن اللَّهَ لَقَوِى عَزِيز﴾ [الحج 39-40]. وهذه الآية تُثبِتُ بجلاء أن أوَّل أسباب مشروعية القتال فى الإسلام هو: نصرة المظلومين وتمكينهم من حقهم فى حياة آمنة مثل غيرهم، وأن الإسلام يوجب الحرب للدفاع عن الأديان السماوية، وليس عن دين الإسلام وحده ضد عدوان أعداء هذه الأديان. وهذا يُفهَمُ من ذِكْر دُور عبادة اليهود والمسيحيين مع المسجد الذى هو دار عبادة المسلمين.
والدليلُ على أن الحرب فى شريعة الإسلام إنما هى لدفع العدوان وليس لإكراه الناس على اعتناق الإسلام أمران:
1- الأول: أن البلاد التى فتحها الإسلام كان المسلمون يخيِّرون أهلَها بين الدخول فى الإسلام إذا أرادوا ذلك، أو البقاءِ على أديانهم وشعائرهم ومعابدهم وعاداتهم وتقاليدهم، مع تَعَهُّد المسلمين تَعهُّدًا شرعيًّا بضمان حريَّتهم كاملة فى اعتقاداتهم، وحراسة الدولة لكنائسهم، ومعاملتهم بالقاعدة التى نحفظها وهي: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا».. ولم يُسَجِّل التاريخ حالة واحدة دخل فيها المسلمون بلدًا وخيَّروا أهلها بين الدخول فى الإسلام أو القتل أو التهجير القسرى من البلاد.
2- الأمر الثاني: أن الإسلام يحرم على المسلم أن يقتل فى جيش الأعداء الطفل والمرأة والرَّجُل الضَّعيف والأعمى والمُقْعَد والعُمَّال والزُّرَّاع والرُّهبان، وعِلَّة تحريم قتلهم؛ أنهم وأمثالهم لا يحملون السلاح ولا يمثلون عدوانًا مباشرًا على المسلمين، لذلك حَرُم قتلهم، لأن «العدوان» غير متحقق فيهم، بل نقرأ فى وصايا قادة جيوش المسلمين: حرمة قتل الحيوان فى جيش الأعداء، اللَّهُمَّ إلَّا لضرورة الأكل، وكذلك يحرُم حرق الأشجار وتفريق النحل وهدم المبانى والبيوت..
الحفل الكريم!
إذا أردنا أن نلخص كلماتنا عن الإسلام فى هذه الأمسية فإنى أقول: الإسلام دين السلام ليس بين المسلمين فقط، بل بين المسلمين وغير المسلمين، ونبى الإسلام صلى الله عليه وسلم بعثه الله رحمة للعالمين، ولم يقل القرآن: رحمة للعالمين، بل قال: {للعالمين}، و”العالمين” جمع “عالم”، والعوالم أربعة كما نعرف: عالَم الإنسان، وعالَم الحيوان، وعالَم النبات، وعالَم الجماد.
وعلى المسلم الذى يقتدى بنبيه أن يكون مصدر رحمة لنفسه وللمسلمين وللناس أجمعين.
وإذا كان الإسلام دين رحمة لكل العوالم؛ فمن المنطقى أن يحرم إراقة الدماء، ولا يبيحها إلا حين تكون حقا للآخر، والذين يقتلون باسم الإسلام مجرمون مفسدون فى الأرض، وعقوبتهم معلومة من القرآن الكريم.
والإسلام دين يسر فى عقيدته وشريعته وأحكامه، وقد أكد القرآن هذا اليسر فى موضعين، وبكلمات متماثلة، فقال: {وما جعل عليكم فى الدين من حرج}، وفى موضع آخر: {وما جعل عليكم فى الدين من حرج}.
والإسلام دين الأخوة الإنسانية، وهذا هو الإمام على كرم الله وجهه، يقول ناصحا المسلم: “الناس إما أخ لك فى الدين، وأو نظير لك فى الإنسانية”، وإذا كانت الأخوة الدينية ترتِّب على المؤمنين حقوقا وواجبات؛ فإن الأخوة الإنسانية ترتب على الناس حقوقا وواجبات أيضا..
والإسلام دين ينهى عن الغلو والتشدد، ويحذر من التطرف فى الفهم، لما يترتب على ذلك من تضييق على الناس فى دين الله، ودين الله يسر لا عسر.
وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن إيذاء أهل الكتاب أو ظلمهم فقال: “ألا من ظلم معاهَدا أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه، فأنا خصمه يوم القيامة”.. وقال فى حديث آخر: “من قتل معاهَدًا لم يَرِح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما”..
وأنا أعجب من هؤلاء الذين لا يأكلون طعام أهل الكتاب، وهو يقرأون صباح مساء: {اليوم أحل لكم الطيباتُ وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم}، ومن حق المسلم أن يطمئن إلى اللحم الذى يقدم: إذا كان مذبوحا فيأكله، أو بطريقة أخرى غير الذبح فيعتذر عن أكله.
وأعجب كذلك من الذين يحرمون تهنئة المسيحيين فى أعيادهم وهو يقرأون صباح مساء قوله تعالى فى نفس الآية السابقة: {والمحصنات من المؤمنات والمحصناتُ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}، أي: أحل الله للمسلمين الزواج من المحصنات من أهل الكتاب، فهل يعقل أن يحل الله للمسلم أن يتخذ زوجة مسيحية يبادلها المودة والرحمة، ثم يحرم عليه أن يهنئها بأعيادها!؟
وقد تقولون: هذا الذى تقول يتعلق بمعاملة أهل الكتاب، فماذا عن معاملة المسلم لغير أهل الكتاب؟
والجواب هو قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، أن الله يحب المقسطين}، وإذن فمطلوب من المسلم شرعا أن يتعامل مع الناس جميعا بالبر وبالقسط الذى هو العدل؛ لأن الله يحب الذين يتعاملون مع غيرهم بهذه الأخلاق.
السيدات والسادة:
من المهم جدا فى هذا العصر أن نفهم القرآن والحديث النبوى فهما صحيحا أولا قبل أن ننزل به إلى واقع الناس، ومن المهم جدا للمسلمين الذين يعيشون فى مجتمعات غير إسلامية، أو مجتمعات تتعدد فيها الأديان والأعراق، أن يندمجوا فى مجتمعاتهم اندماجا إيجابيا، وأعنى بالاندماج الإيجابى الانخراط فى المجتمع، مع التمسك بما يحفظ عقيدتهم وشريعتهم، والمحافظة على هويتهم وأيضا بما يجعلهم أعضاء فاعلين فى مجتمعاتهم، يسهمون فى تنميتها واحترام القوانين، وأديان الآخرين وعقائدهم وتقاليدهم، واعلموا أن احترام عقيدة الآخر شيء، والإيمان بها شيء آخر مختلف تماما.
وليس المطلوب للمسلم مع غيره إلا الحوار الإيجابى البناء الذى عبر عنه القرآن {بالتى هى أحسن}، وعلينا أن نعلم أنه: لا حوار فى العقائد؛ لأن الحوار فى العقائد صراع منهى عنه، وأن نبحث عن المشتركات الإنسانية بين المؤمنين وغير المؤمنين، فقد خلقنا الله لنتعارف كما مر فى أول الكلام، لا لنتصارع أو ليقتل بعضنا بعضا…ويعجبنى قول أبى عَمرٍو ابن الصلاح (ت.643هـ) -رحمه الله – فى استدلاله على المسلم يحرم عليه قتل الكفار المسالمين: “ما خلقهم الله ليأمر بقتلهم”، فهذا عبث لا يليق بالحكمة الإلهية، وكلامه هذا إشارة إلى قوله تعالى فى سورة التغابن: {هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن، ولله بما تعملون بصير}، [التغابن: 2].
وقد قدم الله الكافر على المؤمن فى الآية، والحكمة فى ذلك – كما يقول المفسرون – لأن الكفار أكثر عددا من المؤمنين.
هذا ما أردت أن أدور حوله فى كلمتى هذه.. وأعلم أنى قد أطلت عليكم…ولكن يشفع لى صبركم على سماعى، وأجر الصابرين كما هو معلوم عظيم وبغير حساب.
شكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته